🇦🇪
🇦🇪

2020.10.16

مؤلفة البويز لوف مانغا كينوكو يون: الحياة في اليابان علمتني أهمية العلاقات الإنسانية.

هذا في الواقع شيء ممتاز

قد يبدو هذا مفاجئاً، لكن اسمحوا لي بأن أبدأ مقال اليوم بحديث شخصي تماماً.

 

ابنتي بدأت دراستها الإعدادية هذه السنة، وذات يوم بينما أنا وهي في السيارة بادرتها بالسؤال:” كيف هي أحوالك في المدرسة؟ هل الدراسة صعبة؟” وقادنا هذا إلى حديث طويل عن حياتها المدرسية، من نوع الأحاديث التي تدور بين أي أب وأطفاله، وفي معرض حديثنا سألتها عن اهتماماتها هذه الأيام.

 

”أنا اوتاكو، وهذا ما نتحدث عنه أنا واصدقائي طوال الوقت”

 

لم اتمالك نفسي عن الابتسام، إذا فابنتي ككل من هم في عمرها تحب الانيمي والمانغا المليئة بالرومانسية والحب، أو الإثارة والتشويق، كم هذا لطيف، لكنني لا أظن أنه كاف لتسمي نفسها اوتاكو! حتى لو كانت ابنة اوتاكو متمرس مثلي!

 

لكن الكلمات التالية التي قالتها جعلتني اشكك في اذني!

 

”أحب القصص التي فيها كابلينغ تانزين”

كابلينغ!! لحظة!! هل هذا يعني ما فهمته؟؟ ابنتي ذات ال12 عاماً فقط على هذا الطريق!!

 

كانت تتكلم عن مانغا البويز لوف! لكم أن تتخيلوا صدمتي عندما سمعت أن ابنتي في هذا السن تقرأ هذا النوع من المانغا!

هذا خطير! خطير للغاية!

وبصراحة كوني لا أعرف الكثير عن البويز لوف مانغا، وكون الموضوع يتعلق بابنتي شخصياً، قررت الاستغاثة بشخص يعرف ما يتحدث عنه.

مؤلفة البويز لوف مانغا ذات الشعبية الكبيرة كينوكو يون

كانت هي الشخص الذي استنجدت به!

 

سينسيه!! ابنتي! ابنتي متعلقة بقراءة البويز لوف! ”

 

”هاهاهاها، دعها تقرأ ما تريد ولا تقلق”

 

لكن…! نحن نتكلم عن فتاة في الصف السابع هنا! ما كنت أتوقعه في هذا العمر الحساس هو مراهقة بريئة، من النوع الذي تحمر فيه خجلاً ان حدث ان شاركت صبياً يعجبها في قراءة الكتاب المدرسي نفسه!

 

لا داع لكل هذا الذعر، في الواقع من الجيد أنها تعرفت على البويز لوف مانغا في هذا السن. بل هذا ممتاز! لا كل ما عليك فعله هو أن توليها الانتباه وسيكون كل شيء بخير”

 

لكن… حسناً ربما أنا الأحمق لأنني استنجدت بك..

 

غرفة عمل كينوكويون، حيث تقوم بعملها محاطة بتماثيل وبضائع شخصياتها المفضلة.

 

 

من نشأتها في ماليزيا إلى عملها في اليابان والمصاعب التي واجهتها

عند الحديث مع كينوكويون قد تنسيك طلاقتها في اليابانية أنها في الواقع من ماليزيا، وأتت إلى اليابان قبل 15 عاماً بدون أي خطط عدا عن الرغبة بالعمل كمؤلفة مانغا في اليابان.

 

”دائماً ما أحبت الشونين مانغا اليابانية كثيراً، مانغا مثل دراغون بول وغيرها، وكانت تراودني الرغبة في أن أجرب تأليف المانغا بنفسي، لذلك قررت أن أتحدى نفسي وأن اؤلف مانغا، ثم أرسلتها إلى دار نشر في ماليزيا، وبالفعل تم نشرها وفزت عنها بجائزة، وهذه كانت البداية، بداية سوء الفهم التي ارتكبته”

 

ماذا؟ عملها الأول في مجال المانغا فاز بجائزة، أليس هذا دليلاً كافياً على موهبتها في هذا المجال؟ اذاً أي سوء فهم هذا الذي تتحدث عنه؟

 

”في ماليزيا هناك دار نشر واحدة فقط تقوم بنشر المانغا، لذلك ليس هناك منافسة حقيقية. لكنني كنت ساذجة وقتها وظننت أن هذا دليل كاف على قدرتي على تأليف مانغا تصل إلى النجاح العالمي، وأنني سأستطيع بسهولة أن أحترف تأليف المانغا في اليابان.. وغير ذلك من الأحلام”

 

مفهوم، هناك فرق ضخم في ثقافة المانغا بين اليابان ودولة أخرى مثل ماليزيا.

 

”ما كنت أريده حقاً هو أن يقرأ عملي قراء يابانيون، وتلك الرغبة قادتني إلى القدوم إلى اليابان لملاحقة احلامي. البعض يطرونني على شجاعتي وأخذي المبادرة لفعل ذلك. لكن بصراحة لم يكن الأمر شجاعة بقدر ما أظن أنه كان سذاجة مني (تضحك)”

 

عمل كينوكويون الأول الذي فاز بجائزة في ماليزيا

 

 

بين اختلاف اللغة والثقافة، وبين قوانين الهجرة.. مصاعب لا تنتهي

لم تكن حينها تجيد اليابانية على الإطلاق، لذلك كان اول ما فعلته هو التسجيل في مدرسة لغة يابانية. وثابرت على الدراسة حتى وصلت إلى مستوى المحادثة اليومية.

 

”على الرغم من أنها كانت مدرسة، لكن هذا لم يكن يعني أنهم كانوا يستطيعون تعليمي كل ما أحتاج معرفته عن الحياة في المجتمع الياباني، ساعدتني الدراسة هناك على الوصول إلى مستوى في اللغة ربما يماثل طفلاً في المدرسة الابتدائية، بل ربما حتى مستوى طفل في الروضة. أما بعد ذلك فمن الضروري تعلم اللغة في سياق الحياة اليومية في اليابان. اللغة اليابانية صعبة للغاية، هذه الأيام أعمل في في ترجمة المانغا كثيراً، وعادة لا يوجد مشكلة في الترجمة من اليابانية إلى لغات أخرى، لكن ترجمة أي لغة أخرى إلى اليابانية هي عمل في منتهى الصعوبة! هناك الكثير والكثير من المرادفات في اليابانية لأي سطر من الحوار نريد ترجمته، مما يجعل اختيار الكلمات المناسبة عملاً معقداً للغاية”

 

يمكنني فهم ما تعنيه.. على الرغم من أننا نحن اليابانيون قد لا ندرك هذه الناحية، لكن اليابانية تستخدم عدداً كبيراً من حروف الكانجي التي يمتلك كل منها الكثير من الطرق المختلفة لقراءته، بالإضافة إلى عدد لا نهائي من التراكيب اللغوية والتعابير، بالتالي لا بد أن الأجانب الذي لا يتحدثون اليابانية كلغتهم الأم يواجهون الكثير من الصعوبة لاختيار المرادفات المناسبة في اللغة اليابانية للتعبير عما يريدون قوله.

 

حتى خارج اليابان تتمتع المانغا اليابانية بالكثير من الشعبية والإقبال، وينطبق هذا كذلك على البويز لوف مانغا!

 

 

قوتها في فهم ذاتها وتصالحها مع نفسها..

حدثتنا كينوكويو كيف أتت إلى اليابان ساعية وراء تحقيق حلمها في أن تصبح مؤلفة مانغا هنا، وعن حبها الشديد للشونين مانغا، ولكن.. كيف تحولت إلى مجال البويز لوف مانغا إذاً!

 

”كنت في الأصل احب البويز لوف مانغا كذلك! حاول أن تفهمني، البويز لوف ليست شيئاً خاصاً باليابان، في ماليزيا وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم، هناك الكثير من متابعي ومحبي البويز لوف مانغا. وفي وقتنا هذا الأمر لا يدعو للخجل! نحن نعيش في عصر تجد فيه بعض أنواع البويز لوف مانغا الخفيفة موضوعة في الركن الموجه للفتيات في أي محل من محلات بيع المانغا، وليس هذا أمراً مستهجناً أو غريباً. خذ على سبيل المثال المجلات المخصصة للكبار، بعض هذه المجلات قد تجعل وجوه العديد من الفتيات تتضرج بالحمرة خجلاً عند رؤيتها، لكن لا أحد يجد وجودها غريباً، لأن العديد من الذكور يقبلون على شراءها، وهم أحرار في فعل ما يريدونه، والشيء نفسه ينطبق على البويز لوف مانغا للإناث. البعض قد ينعتونني بالفوجوشي (مصطلح ياباني يستخدم لوصف الإناث المهتمات بالبويز لوف والياوي)، لكن الأمر عادي في وجهة نظري”

 

البويز لوف مانغا شيء طبيعي؟ عند التفكير ملياً في الموضوع لا أستطيع أن انكر المنطق في حديثها.

 

”هناك فوجوشي في كل مكان!!!!”

 

يجب أن أعترف أن منطقها قوي وقدرتها على الإقناع كبيرة. لكن ما يثير الانتباه هنا أن كينوكويون لا تظهر أي استياء بخصوص استخدام مصطلح (فوجوشي) رغم أنه كثيراً ما يستخدم بشكل سلبي للإشارة للمهتمات بالبويز لوف والياوي.

 

”نعم، يصمني البعض بالانحراف والفساد، لكن بصراحة لا يهمني ما يعتقدونه بتاتاً. أنا فوجوشي وشخص منحرف (تضحك)”

 

على العكس تماماً، في الواقع تبدو لي شخصاً نقياً للغاية.

 

”لكنني أعمل لصالح مجلة تجارية، لذلك بغض عمّا يقال عن انحرافي وما الى ذلك، فأنا أرسم هذه المانغا لأنها عملي وأنا سعيدة بتحمل المسؤولية الكاملة عن عملي. وبشكل طبيعي أنا لا أعمل لوحدي، لولا المحررين والمساعدين الذين يعملون معي لما كنت قادرة على تأليف أي شي. لكن الدوجينشي مختلف! في الدوجينشي نحن أحرار لنكون (منحرفين) أو لنكتب أي شي نرغب في كتابته، بالنسبة لي، الكتابة عن فتيان وسيمين مفتولي العضلات يحبون بعضهم بشكل رومانسي هو شيء احبه بشدة واستمتع بتأليفه!”

 

رسم بالأسلوب التقليدي للبويز لوف، كلا الشخصيتين في الصورة يبدون ملامح ذكورية قوية ولكن مع لمحة من الجمال الانثوي

 

 

لا يهم مقدار موهبتك، في نهاية المطاف لا يمكنك النجاح إلا بالاعتماد على مساعدة الآخرين

حسب ما سمعنا، تقوم كينوكويون بتقديم المساعدة والدعم للكثير من رسامي المانغا المبتدأين الذين يطمحون إلى العمل في اليابان.

 

”تحدثت مع الكثير من الشبان الذين يملكون أحلاماً كبيرة مثل:(أحلم بأن احقق النجاح في اليابان) و(أريد أن احترف رسم المانغا)، وهذه أحلام رائعة وجديرة بالاحترام بكل تأكيد، لكن حتى لو كنت تمتلك الموهبة اللازمة لتحقيق هذه الاحلام فإن تحقيقها وحدك مستحيل تماماً. هناك حواجز مثل حاجز اللغة والثقافة، بالإضافة الى ذلك، رغم أنني حاصلة على الجنسية اليابانية، لكنني أبقى أجنبية عندما أكون في اليابان. وصعوبات الطريق تتجاوز هذا إلى أمور مثل نوع الفيزا التي تحتاج للحصول عليها لتستطيع العمل بشكل قانوني في اليابان وكيف تستطيع استصدارها، المشاكل والصعوبات من هذا النوع كثيرة جداً. لقد كنت محظوظة جدا عندما قدمت إلى اليابان وتعرفت على الكثير من الناس الذين ساعدوني وذللوا لي الكثير من المصاعب، وأنا حيث أنا اليوم بفضل مساعدتهم. ولكن لا يوجد ضمانات بأن الحظ سيحالف الجميع، وهناك الكثيرون ممن يأتون إلى اليابان وينفقون المال لتعلم اللغة اليابانية لكنهم لا يستطيعون التغلب على صعوبات الحياة هنا وينتهي بهم الأمر عائدين إلى بلادهم وقد تحطمت أحلامهم وأنفقوا الكثير من المال بدون أن يستفيدوا شيئاً. لكن إن كنت تدرك كل تلك الصعوبات وتفهم جيداً أنه عليك أن تبذل الكثير من الجهد والمثابرة، ولا تزال متمسكاً بحلم النجاح في اليابان، فأنا على أتم الاستعداد لتقديم أي مساعدة استطيع تقديمها لأولئك يحملون نفس الحلم والشغف الذي قادني إلى هنا”

 

هذه الكلمات العقلانية لا تصدر إلا من شخص بذل الكثير من الجهد وعانى الكثير من المصاعب حتى وصل إلى ما هو عليه. ثقافة الدوجين وثقافة المانغا هي شيء عالمي في أيامنا هذه. لكن هذا لا يلغي حقيقة أننا نعيش في دول مختلفة تتحدث لغات متنوعة وتحت قوانين مختلفة.

ربما يوماً ما نستطيع أن نصنع (عالم الدوجين) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وحتى يأتي هذا اليوم لا يسعنا إلا أن نحلم.

 

 

 




Writer

Shiro Sato

Related Posts